الجزائرية للقانون والحقوق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مداخلة دور التعديلات الدستورية في احتواء الازمات اللبنانية

اذهب الى الأسفل

مداخلة  دور التعديلات الدستورية في احتواء الازمات اللبنانية Empty مداخلة دور التعديلات الدستورية في احتواء الازمات اللبنانية

مُساهمة  اللواء الأحد يونيو 22, 2008 1:48 pm

" دور ومدى مساهمة التعديلات الدستورية في احتواء الأزمات اللبنانية"
ورقة مقدمة إلى الملتقى الدولي الثاني حول التعديلات الدستورية في البلدان العربية
الاغواط-5 0-6 0 -7 0 ماي 2008 (الجزائر).
د.محمد عيسى عبد الله
أولا: بين الدستور والميثاق والصيغة:
هل تحكم الدولة اللبنانية بموجب الدستور فعلا؟
هناك ثلاثة مرجعيات للحكم على التصرفات السياسية في لبنان وهي: الدستور، الميثاق، الصيغة. فالدستور يتبنى النظام الجمهوري البرلماني الذي يقوم على سمات رئيسية للديمقراطية حيث يفسح المجال لتداول السلطة من خلال الانتخابات الدورية، كما انه يتيح الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، ويكفل المساواة بين المواطنين أمام القانون، ويكفل حقوق الأفراد وحرياتهم. ولا يبطل هذا التوجه الديمقراطي وجود نصوص محددة تراعي الصيغة الطائفية(المواد 9 و10 و95)
أما الميثاق الوطني لعام 1943 ، وهو الاسم الذي يطلق على ما جرى الاتفاق عليه بين أول رئيس للبنان المستقل(بشارة ألخوري) وأول رئيس لحكومته(رياض الصلح) قبيل الاستقلال،فلا صلة له بتحديد طبيعة النظام السياسي وديمقراطيته، بل هو عبارة عن تعهد من قبل الأول باسم المسيحيين، وخاصة الموارنة، بعدم طلب الحماية الأجنبية، وعلى إعطاء المسلمين حقوقهم الكاملة، مقابل تعهد من قبل الثاني باسم المسلمين بان يقبل هؤلاء استقلال لبنان التام ضمن حدوده الحاضرة وان لا يعملوا على ضمه إلى وحدة عربية. وبما أن الميثاق غير مدون ولم يترجم في أية تعديلات دستورية لذلك أصبح من الصعوبة التمييز بين المبادئ الأساسية المتفق عليها بداية وما أصبح يعطى للميثاق من مضامين الأمر الذي شكل ضمانة لأصحاب المصالح للمساومة بحرية ولتفسير الميثاق بما يتناسب ومصالحهم.
والميثاق، بصفته عقدا بين الطوائف، انطوى على ما يعرف بالصيغة الطائفية لأنه تضمن الاتفاق على تقاسم السلطة والمراكز في الإدارات والمؤسسات العامة بين الطوائف تبعا لمعايير عددية واقتصادية واجتماعية وتاريخية وسياسية..واستنادا على ذلك أسندت رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة المجلس النيابي للشيعة ورئاسة الحكومة للسنة.
إن تقاسم السلطة المبني على الصيغة الطائفية ارتد سلبا على الدستور وذلك لأنه جعل من المحال على رئيس السلطة التشريعية، مثلا، بما هو رأس سياسي لطائفة أن يمتنع من التدخل لمصلحة طائفته في عمل السلطة التنفيذية رغم النص في الدستور على فصل السلطات. كما أن هذه الصيغة تؤدي إلى وقوف رأسي السلطة التنفيذية، لأنهما رأسان سياسيان لطائفتين، احدهما في وجه الآخر، وتدخلهما في تجاذب متكرر تراوح نتائجه ما بين تأخير الحلول أو تجميدها وبين مقايضة بين قرار يرجح كفة بقرار يرجح كفة أخرى. .
وارتدت الصيغة أيضا على الميثاق الوطني حيث فشل في منع الطوائف من السعي إلى تامين حمايتها بدعم من الخارج وبشروطه، إذ أثبتت التطورات اللاحقة بأنه كان عبارة عن اتفاق بين زعامات خدم كعنصر تهدئة لفترة قصيرة، فلا المسلمون اكتفوا " بوجه" لبنان العربي، ولا أكثرية المسيحيين تخلت عن فكرة أن للبنان هوية تاريخية خاصة. وبتعبير آخر أثرت الصيغة الطائفية سلبا على الدستور وعلى الميثاق ثم على تماسك الدولة واستقلالها بعد أن حولتها إلى ميدان سباق للمصالح الخاصة.
وبناء على ذلك يمكن القول أنه لو كان بإمكان الدستور أن يواكب التطورات ويستوعب المتغيرات على كل الأصعدة لما كان هناك من ضرورة لوجود صيغ ومواثيق أساسية مكملة له،وأحيانا تحل محله، يحتكم إليها.وهذا التداخل بين الدستور والميثاق والصيغة يدل على أن البنية الدستورية الحديثة في لبنان لم تنشأ وتتطور في سياق تاريخي ونتيجة لتحولات عميقة في بناه المختلفة على غرار ما حدث في المجتمعات الغربية، وإنما جاءت " كرغبة في التحديث" وقامت على بنية مجتمعية تقليدية .
ولفهم هذه البنية تمت الاستعانة بنظرية "البوليارشية"(Polyarchie) التي تعنى بدراسة مشكلات المجتمعات المكونة من عدة مجموعات بشرية وعدة مراكز متوازنة للتقرير والحسم. فالنظام اللبناني يقوم على توازن دقيق بين قوى مختلفة، هي : التوازن بين الطوائف الذي يتحقق عن طريق قانون الانتخاب، التوازن الشخصي بين الزعماء،التوازن ألمناطقي، والتوازن داخل مجلس الوزراء إن لم نقل التوازن بين الرئاسات الثلاث.
وهذا التوازن يفرض ضرورة التعاون بين الشركاء- الخصوم(associés- rivaux) بحيث لا يستطيع أي واحد منهم أن يلغي الآخر،كما انه لا يسمح لجماعة من الجماعات التي يتكون منها المجتمع أن تفرض نفسها على غيرها بصورة دائمة لأنها لا تملك، أو لا يسمح لها بأن تملك، من القوة ما يؤهلها للاستيلاء على السلطة. وكل خلل في هذا التوازن يؤدي إلى شلل الشراكة.
ولذلك فإن القرار السياسي في لبنان هو قرار جماعي توافقي يصدر نتيجة المساومات بين القوى الفاعلة؛ وغالبا ما يأتي كتسوية بين الآراء المتضاربة ولا يعالج المشكلات معالجة جذرية؛ وإن رفض أي طرف من الأطراف الأساسية لهذا القرار يؤدي إلى تجميده ،أو يخرج الرافضون الممثلون في الحكومة على مبدأ التضامن الوزاري. ونتيجة لهذا الوضع تغيب التعديلات الدستورية الجادة وتتحول الحياة السياسية إلى عمليات تجاذب ومساومات تمارسها الجماعات المذهبية لتحقيق بعض المكاسب، ولو أدى ذلك أحيانا إلى خصومات حادة قد تنتهي باستخدام القوة المسلحة.
ثانيا :التعديلات الدستورية في عهد الانتداب:
لا بد من الإشارة إلى أن الدستور اللبناني هو من الدساتير الجامدة بمعنى أن تعديله يتطلب شروطا وإجراءات اشد تعقيدا من شروط وإجراءات تعديل القوانين العادية. وعملية التعديل تتم وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المواد 76-77- 78- 79(تعديل1990) من الدستور .
.

1: التعديل الدستوري الأول 1927:
كان التعديل الدستوري الأول، الذي حصل بناء لطلب المفوضية الفرنسية، يهدف إلى تعزيز السلطة التنفيذية، التي كانت أداة طيعة بيدها، والحد من إمكانية هيمنة السلطة التشريعية عليها ؛ والمبرر المعلن في تقرير السلطة المنتدبة إلى عصبة الأمم هو ثقل الآلة الدستورية وبطأها وعدم الشعور بالأمان عند الحكومة أمام مجلس نيابي قادر على تغييرها،وهي غير قادرة على حله إلا وفقا لشروط صعبة التحقيق. ومما يزيد هذه الوضعية خطورة هيمنة أسئلة النواب، والخلاف بين المجلسين حول مشروع الموازنة. وخوفا من إمكانية شل نشاطه من قبل المفوض السامي وافق مجلس النواب على مشروع التعديل الدستوري، المقدم من الحكومة،الذي قلب الأسس التي كانت تقوم عليها العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث تضمن القواعد الجديدة التالية:- إلغاء مجلس الشيوخ وإدماجه بمجلس النواب ، تعيين ثلث أعضاء مجلس النواب من قبل رئيس الجمهورية وانتخاب الثلثين الآخرين؛ وبذلك ضمن رئيس الجمهورية وجود كتلة نيابية تدور في فلكه مؤيدة للحكومة، واضعف حركة المعارضة للانتداب (م.24 ) إضافة إلى صلاحية الرئيس بنشر كل مشروع قانون أحيل إلى المجلس بصفة الاستعجال (م.58) وحقه بنشر الموازنة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء (م.86)
2: التعديل الدستوري الثاني في العام 1929:
جاء التعديل الثاني،كما الأول، تطبيقا لسياسة المفوض السامي الهادفة إلى تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية والحد من إمكانية مجلس النواب من معارضة الحكومة المدعومة من السلطة المنتدبة وذلك في الوقت الذي كانت فيه المعارضة الإسلامية الرافضة للكيان اللبناني على أشدها.وتناول التعديل الأمور التالية:1- تمديد ولاية رئيس الجمهورية من ثلاث سنوات إلى ست سنوات (م.49 ) وتبرير ذلك هو أن الحكومة تعتبر أن حصر مدة الرئاسة بثلاث سنين، في حين أن مدة البرلمان أربع ، تضع مقدرات الرئاسة بيد المجلس الواحد مرتين، فتصبح الرئاسة مضطرة لمجاراة النواب في ما ينصرفون إليه من مصالحهم السياسية الشخصية، في حين أن مثل هذا الأمر لا يتفق مع مصلحة الأمة في شيء. -2- إطلاق يد رئيس الجمهورية في اختيار الوزراء من خارج أو داخل البرلمان. 3-حق رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب بقرار معلل متخذ في مجلس الوزراء( المادة55).
3:التعديل الدستوري الثالث1943:
بخلاف التعديلين السابقين اللذين راعيا الأصول المنصوص عليها لتعديل الدستور، فإن التعديل الثالث تم بقرار من الجنرال الفرنسي كاترو، في 18 آذار1943، الذي أعاد بموجبه العمل بكامل نصوص الدستور اللبناني الذي كان قد علق العمل به عام1939 بحجة اندلاع الحرب العالمية الثانية، كما تم تعديل أربع مواد(24-30-41-42) لتصبح منسجمة مع مبدأ الانتخاب لجميع النواب .
ثالثا: التعديل الدستوري واستقلال لبنان :
جاء هذا التعديل تنفيذا لسياسة الحكومة الاستقلالية الأولى الهادفة إلى تقليص النفوذ الفرنسي وإلغاء بعض المواد المتعلقة بالانتداب والمتعارضة واستقلال لبنان التام.وبالفعل اقر المجلس النيابي مشروع التعديل المقدم من الحكومة بالإجماع (باستثناء إميل اده) وذلك في جلسة 8 تشرين الثاني.وهذا التعديل ألغى المواد 90\\\\\\\\\\\\\\\\91\\\\\\\\\\\\\\\\92\\\\\\\\\\\\\\\\94 المنظمة لصلاحيات السلطة المنتدبة،وكرس الحدود اللبنانية بشكل نهائي بعد أن كانت في السابق قابلة للتعديل بناء على موافقة فرنسا وعصبة الأمم(المادة الأولى).كما أصبحت" اللغة العربية هي اللغة الرسمية( المادة 11).
هذا التعديل أدى إلى تأزم العلاقة بين الحكومة اللبنانية وسلطة الانتداب التي كان أقصى ما تسمح به ،آنذاك ،هو إبدال الانتداب بمعاهدة تستوحي من بنود معاهدة العام 1936 . لذلك أصدر المفوض الفرنسي قرارا، في10 \\\\\\\\\\\\\\\\11\\\\\\\\\\\\\\\\1943،علق بموجبه الدستور وحل المجلس النيابي وألغى التعديلات الدستورية، وعين بقرار آخر إميل اده رئيسا للجمهورية وللحكومة المؤقتة المسئولة أمام المفوضية الفرنسية العليا. وقد بررت السلطة المنتدبة إجراءاتها تلك مدعية أن التعديل الدستوري يعد انتهاكا لصك الانتداب وللقانون الدولي لأنه حصل من طرف واحد.
ولم تكتف السلطات الفرنسية بذلك فما كان منها في 11 \\\\\\\\\\\\\\\\11 \\\\\\\\\\\\\\\\1943 إلا أن اعتقلت رئيس الجمهورية بشارة ألخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وأربعة من الوزراء، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وأحزابهم وتكاتفوا في ظل قيادة موحدة مطالبين بالإفراج عن الدستور والمعتقلين ؛ وبذلك أسهمت هذه التعديلات الدستورية في إرساء الوحدة الوطنية اللبنانية التي أجبرت الفرنسيين على إطلاق سراح المعتقلين في 22 تشرين الثاني 1943 (عيد الاستقلال).
رابعا:الأزمات اللبنانية في العهود الاستقلالية:
ا- من الاستقلال إلى أحداث العام 1958
عانى لبنان من أزمة مزمنة ذات طبيعة داخلية عميقة الجذور، إنها أزمة كيان عجز عن أن يشكل إطارا لوحدة حقيقية تمكن لبنان من الانتقال من صيغة فيدرالية الطوائف إلى صيغة الوطن الموحد ؛ وهي أيضا أزمة نظام سياسي عجز، منذ قيامه، عن حل مشكلة التفاوت في الحقوق والسلطة بين شتى طوائفه وجماعاته، وعن ضبط الصراعات لمنع تحولها إلى فتن وحروب أهلية.
وبما أن دولة الاستقلال قامت على صيغة للحكم مبنية على توازنات معينة لذا كان من الطبيعي أن تنمو التناقضات الداخلية عندما تخرق هذه التوازنات أو عندما يفرز التغيير الاقتصادي أو السياسي قوى جديدة تشكك بهذه الصيغة. وهذا ما أثبتته سنوات العهدين الأولين للاستقلال والتي مهدت لبروز مؤشرات على الأزمات المقبلة بدلا من أن تؤسس لحل مشكلات النظام .
وكانت ابرز إخفاقات النظام في ميدان الإنماء الاقتصادي والاجتماعي حيث أخذت سياسة الحرية الاقتصادية المتطرفة وتهافت المسئولين على كسب المغانم تظهر عيوبا خطيرة منها التفاوت العميق بين المناطق والطبقات الاجتماعية؛ واتفق أن طال الازدهار معظم المناطق المسيحية وضرب الإهمال معظم المناطق الإسلامية فوقعت تحت عبء التخلف والانكسار النفسي.
إن التفاوت الاجتماعي وغياب العدالة الاجتماعية كانا في أساس استقطاب الناصرية للجماهير الإسلامية التي ازدادت حماستها للعروبة إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وازداد سخطها على سياسة النظام اللبناني بعد موافقته في 16\\\\\\\\\\\\\\\\3 \\\\\\\\\\\\\\\\1957 على مبدأ "أيزنهاور" الذي بموجبه تتعهد الولايات المتحدة الحفاظ على استقلال بلدان الشرق الأدنى ، وتتعهد بأن تضع قواتها تحت تصرف أي دولة من دوله تتعرض للاعتداء الشيوعي . وبتبني الحكم اللبناني لهذا المبدأ "كضمانة للاستقلال" يكون لبنان قد خرج عن ثوابته في علاقاته الخارجية التي رسم خطوطها الأساسية ميثاق 1943،الأمر الذي شجبه الرأي العام الإسلامي وحبذه الرأي العام المسيحي.
ومع إعلان الوحدة المصرية السورية في العام 1958 ازداد الانقسام الإسلامي المسيحي. فالشارع الإسلامي رأى في هذه الخطوة عنصر قوة لمصلحته، وبالمقابل أحرج هذا الحدث فريقا من المسيحيين فازداد خوفا على خوف حيث اعتقد هؤلاء إن إخلاص المسلمين للبنان وطنا مستقلا قد قارب الاضمحلال " فالولاء للبنان ولاء اسمي وان الولاء للعروبة قائم وحده".
وخلاصة القول، إن السياسة التي اتبعها الرئيس كميل شمعون على الصعيدين الداخلي والخارجي أدت إلى انقسام اللبنانيين طائفيا والى اندلاع أعمال العنف في العام 1958، أي إلى ضرب التعايش بين الطوائف الذي حاول ترسيخه العهد الاستقلالي الأول .
2-عهد الرئيس فؤاد شهاب(1958-1964):محاولة بناء الدولة الحديثة:
إن السياسة الشهابية، التزاما منها بتطبيق مبادئ الميثاق الوطني لعام 1943، عملت على إرساء قواعد دولة حديثة توحد اللبنانيين في مجتمع واحد، وتحقق مستوى أفضل من العدالة الاجتماعية. إلا أن عملها الذي حقق انجازات هامة لم يترجم بأية تعديلات دستورية لاستيعاب الأزمات التي حصلت في العهدين الأولين من الاستقلال : فعلى الصعيد الخارجي اتبعت الشهابية سياسة خارجية متوازنة، قوامها: رفض سياسة الأحلاف العسكرية مع الغرب ،تعاون وثيق مع الدول العربية في المسائل التي ينعقد عليها الإجماع العربي، والتزام الحياد بين المحاور العربية ونزاعاتها، وتبني سياسة الحياد الايجابي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.
وعلى الصعيد الداخلي كان الرئيس شهاب يعي أن الناصرية التي " هددت لبنان بالتفكك"، لم تفرض سيطرتها عليه، إلا لأنها قدمت المخرج للجماهير الإسلامية التي تتحمل الثقل الأساسي للتفاوت الاجتماعي "؛ لذا هدفت سياسته الإنمائية إلى كسب الفئات التي تؤثر عليها الناصرية واحتواء قواها ضمن إطار الدولة ومعالجة المشكلات التي تسبب الشعور بالغبن عند المسلمين.
3- مقدمات الحرب الأهلية اللبنانية:
إذا كانت أحداث العام 1958 قد فرضت على السلطة أن تستوعب المطالب الإسلامية، فان هزيمة العرب أمام إسرائيل عام 1967 كان لها نتائج سلبية على الواقع اللبناني تمثلت في ارتداد "المارونية السياسية" عن مشروع الدولة الحديثة وذلك لسببين: الأول هو تحمس المسلمين للإصلاحات الشهابية، والثاني هو الخوف من أن تبدل هذه الإصلاحات موازين القوى الداخلية لغير مصلحتها. وفي العام 1968 تشكل " الحلف الثلاثي" من أقطاب الموارنة( شمعون، الجميل ، اده) وخاض ،على غير عادة، الانتخابات النيابية وسط أجواء الشحن الطائفي التي أوصلت سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، حيث تم إضعاف جميع المؤسسات العصرية التي انطلقت في عهد شهاب بهدف إتاحة الفرصة للزعامات التقليدية لكي تمسك بأجهزة الدولة من جديد.
وترافق إضعاف مؤسسات الدولة مع ركود الاقتصاد اللبناني، الذي لا يرتكز على أسس ثابتة وقوية بل يقوم بمعظمه على قطاع الخدمات مما يجعله عرضة للهزات الاقتصادية وشديد التأثر بالتقلبات السياسة في المنطقة، عندها دخل الوضع اللبناني طور الأزمة الاجتماعية، التي برزت في صورة نزوح داخلي إلى المدن، زادته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تكثيفا، مما أدى إلى ظهور " أحزمة البؤس" المحيطة بالعاصمة .
إن تداخل الأزمة الاجتماعية مع الأزمة الوطنية، أي أزمة الانقسام اللبناني حول الوجود الفلسطيني المسلح ومواجهة مفاعيل الصراع العربي- الإسرائيلي،أدى إلى تزايد اختلال الوضع الداخلي اللبناني المتسم بالاختلال أصلا نتيجة عناصره اللبنانية ذاتها . وفي هذا المناخ نمت الحركات السياسية اليسارية وأيضا حركات المطالبة الطائفية(حركة أمل الشيعية) المعارضة للنظام والمطالبة بإزالة الحرمان اللاحق بمناطقها. وبالمقابل كانت القوى الطائفية المسيحية تنمو هي أيضا وتستمد شحنة توترها المتصاعد من مناخ الأزمة الاجتماعية ذاتها ، لينشأ عن ذلك كله استقطاب سياسي حاد .هذه الحركات المختلفة تقدمت بمطالب يتطلب تحقيقها تمويلا لم يكن النظام اللبناني مستعدا لبذله. ويقر رئيس الجمهورية( فرنجية) بأن "اليمين اللبناني لم يتطلع إلى متطلبات العصر ومقتضياته، كما انه لم يفتح عينيه على واقع الإنسان كمواطن له حقوق وضمانات، إنما بقي يغط في نوم عميق..." . فالقائمون على النظام تمسكوا به دون القيام بأية تعديلات دستورية أو إصلاحات فعلية تستوعب المستجدات في حقول السياسة والاجتماع والاقتصاد. والسبب في ذلك يعود إلى تحجر الصيغة الطائفية وإلى رفض بعض الجهات والفئات فتح باب تعديل الدستور لئلا يشمل مواضيع أكثر حساسية وذات تأثير على مصالحها وامتيازاتها؛ من هنا يمكن القول أن غياب التعديلات الدستورية وإهمال العمل ببعض النصوص(المادة80 )وتجاوز بعضها في ظل تشوه النظام البرلماني نتيجة للممارسات الطائفية،كانت من العوامل التي ساعدت على تفجر الحرب الأهلية عام 1975
:
.

اللواء

المساهمات : 109
تاريخ التسجيل : 22/12/2007

http://www.islamweb.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى